مسلسل “الزند، ذئب العاصي” بين حرفية الإخراج، قوّة الأداء وضخامة الإنتاج
الأحد 23-04-2023 23:25
كتبت: حنان فهد،
المغرب
تمكنت “سيدرز آرت برودكشن (صبّاح اخوان)” الرائدةٌ في صناعة السينما والمسلسلات العربية من معاصرة التقدم الذي يحرزه الإنتاج السينمائي والدرامي عربيا وعالميا، بل وساهمت بشكل كبير في ثراء وتنوع الإرث الدرامي العربي وتوسيعه،
إذ برعت في انتقاء وتنفيذ أعمالها بعناية، لتصبح هذه الأعمال علامة في تاريخها العريق قبل أن تصبح علامة في تاريخ الشاشة العربية، والشركة لم تساهم فقط في أن تعيش الدراما العربية المشتركة عصرها الذهبي الذي تعرفه الآن بل وكان لها الفظل في ولادتها منذ البداية،
والمتتبع لخارطة الدراما العربية سيتمكن من معرفة أن هذه الشركة هي السباقة لاختيار النوع الذي تطرحه في أعمالها، ليتحول في ما بعد هذا النوع لموجة تجتاح انتاجات السوق، كما حدث مع مسلسل “الهيبة” مع مخرجها
“سامر البرقاوي” الذي تحول نجاحه لحالة عدوى تفشت بالشركات وأغرتها لركوب موجة الأكشن والعنف والسلاح علّها تتبّع ذوق المشاهد، في حين أن “الصباح اخوان” الآن بدل أن تركب على الموجة الشامية،
كان همها أن تؤكد تفرد أعمالها، المدعومة ليس فقط بالإنتاج الضخم، بل برؤيا قوامها النضج في التجربة والخبرة والجهد، لهذا تسعى من خلال تقديمها لأي نوع كان من الأعمال، أن تطرحه بطريقة جديدة وصورة مختلفة تماما عن المعهود والمشاع، وهذا تماما ما حدث في مسلسلها “الزند”
الذي لايعد فقط إضافة في ثراء الدراما السورية المتطورة والمتنوعة بالسنوات الأخيرة، بل هو استثناء وجهد جبار في تقديم صورة جديدة لهذا النوع من الأعمال. مسلسل “الزند، ذئب العاصي”
يعيد توليفة البطل الشعبي إنما بطريقة عصرية،
من خلال رؤيا إخراجية فاقت كل تصور ممكن، ومن خلال معالجة فنية وتقنية تغوص بالمُشاهد في عمق المَشاهد وتقحمه عبر حركة الكاميرا في قلب المشاهدة
، كأنه مشارك في الموقف لا مراقب، “سامر البرقاوي” المبدع الرئيسي للعمل استطاع من خلال روايته للقصة من زوايا ووجهة نظر اختارها لنفسه أن يقود المشاهد ليحصل على أقصى متعة ممكنة،
عدى عن تميز العمل بجمالية بصرية مشهدية رهيبة ومتجددة، عبر تنويع الكادرات والاضاءة المدروسة والمعالجة الراقية للألوان،
وعدم الإكتفاء بالمشاهد الداخلية التي اتسمت بصورة جميلة للبيوت والقصور والمراكز الرسمية، بل وخروج الكاميرا للبادية السورية والقرى والأسواق والجرود والحقول،
لتكاد هنا كوادر التصوير والمواقع المصممة بعناية والمباني أن تتطابق مع تلك المسجلة بذاكرة التاريخ،
كل هذا و”سامر البرقاوي” يشرك التاريخ كبطل خفي في الحكاية، ليحسب للعمل أمانته في تقديم نسيج إجتماعي يوافق نهاية القرن التاسع عشر، بدت بجلاء في تحديد الشكل والديكور وانتقاء الأزياء المتقنة بحسب الحقبة الزمنية وطبيعة المجتمع من ريفي وبدوي وفلاحين و من مجتمع مدني مثقف،
كما يحسب له تقديم صورة مختلفة جميلة لدور المرأة الشامية كشريك حقيقي للرجل. من خلال المعالجة التقنية للعمل ثمة ديناميكية تصوير مذهلة،
كما أن تنفيذ وتصوير الخدع المتطورة كالمسلسلات التاريخية التركية يستحق الإشادة، كما أن عين المخرج تراعي أدق التفاصيل، من تعابير الوجوه،
ولغة الجسد، من دون أن تقضم من حصة المشهدية العامة، كما يتمتع العمل بقوة إقناع في الأداء يتبين من خلاله الحضور القوي للمثل السوري بشكل عام، ومن التحضير اللافت للشخصية التي يقدمها،
فكيف اذا تحدثنا عن “جوكر ” الدراما العربية النجم “تيم حسن”
الذي يستهويه تغيير جلده والتفنن في تلوين رداءاته الفنية، وقدرته على تقمص شخصياته بسهولة وسرعة وسلاسة
، النجم الذي تخطت شعبيته وجماهيريته الحدود، كيف للمشاهد مقاومة غواية نجم بحجمه،
وعدم الانصهار في لونه الجديد، أو الإنسحار بانفعلاته وحركاته ولهجته الساحلية السورية التي ميزت العمل ككل.
تميز المسلسل كذالك بحبكة درامية متماسكة ومتتابعة، ونسج أحداث لا تعاكس مساره
، عبر سلسلة تحديات مشوقة اعتمدت أسلوب الحبكات المتوالدة، كما أن موسيقى التصويرية في العمل،
والأغاني التي تضمنها وشارة المسلسل، وأيضا أبيات العتابا التي تعبر عن تراث المنطقة الساحلية
، تعدت كونها مصاحب مناسب للمَشاهد وإنما أصبحت معادل موسيقي كامل للفكرة والمعنى. كما يبدو أجاد مخرج العمل الاشراف على كل نقطة وتفصيلية، وعرف كيف يوظف عناصر العمل لتحويل مادته الروائية إلى مادة درامية ستسجلها الدراما العربية، ويبقى مشهد قتال النهر لوحده
والمترجم بلغة بصرية جميلة حالة فنية مذهشة تعكس براعة هذا المخرج، لينضاف مسلسل “الزند” إلى مسيرة الأعمال الناجحة لهرم المجد الفني الذي يتشاركه “سامر البرقاوي”والنجم “تيم حسن ” مع شركة الإنتاج.