ads
رئيس التحرير

“ساعة يد وتليفون محمول وميدالية”، أخر ما تبقى من “محمد”

الخميس 31-10-2019 11:39

. الناجي من حادث قطار الإسكندرية: الواقعة استغرقت 180 ثانية والتذكرة بـ70 جنيها ولم يكن معنا سوى 32.. قسمت كوباية شاى مع “محمد”.. والكمسرى قال لى: نط بوشك.. وحاولت الانتحار حزنا على صديقى

“سمير” : كمسري قطار آخر تركنا بدون تذاكر تعاطفاً مع ظروفنا..وحقنا سيعود بالقانون وليس بقناة الجزيرة
“أنا وأنت كارت واحد..نعيش مع بعض ونموت مع بعض”، كانت هذه آخر جملة قالها لي صديقي “محمد” ضحية حادث قطار الإسكندرية قبل وفاته، بهذه الكلمات تحدث “أحمد سمير” الشاب الناجي من الحادث عن أخر مشهد له مع صديق عمره.

بصوت ممزوج بالآسى، ودموع محبوسة في الأعين، وكلمات تخرج متعلثمة، سرد “سمير كواليس حادث قطار الإسكندرية، في أول حديث له.

“صاحبي اللي كتفي في كتفه”، هذا حالي مع “محمد” منذ عدة سنوات، نعمل معاً ونخرج معاً، ولا يفرقنا إلا أماكن النوم، كنت أفهمه من نظرات عيونه، وهو كذلك، تقاسمنا كل شىء، حتى أحلامنا، وخيالنا عن ليلة العرس، وغيرها من الأحلام الوردية، الحديث لـ”سمير”.

وتابع سمير: “إحنا مش بنحب نكون تحت رحمة حد، وبنحب نعتمد على نفسنا”، فقررنا صناعة بعض الهدايا التذكارية والميداليات منقوش عليها بعض الأسماء لبيعها للمواطنين، وكنا نتنقل بين المحافظات بحثاً عن لقمة عيش حلال، فكانت الإسكندرية آخر محطاتنا، سافرنا إليها ومكثنا بها عدة أيام، حتى اجتاحت الأمطار المحافظة، ومكثنا في شقة 4 أيام دون بيع، استنفذنا كافة الأموال، ماعدا 35 جنيها، وخوفنا أن ينهش الجوع أجسادنا، فقررنا العودة لمنازلنا في القاهرة والقليوبية، ذهبنا لمحطة القطار واتجهت لـ”شباك” التذاكر لشراء تذكرتين في قطار عادي، فأكد لي الموظف أن القطار أمامه عدة ساعات، واكتشفنا قطار آخر يتحرك، ركبنا به، وآتى الكمسري، سألنا عن التذاكر فسردت له قصتنا، فتعاطف معنا، وتركنا دون تذاكر، حتى توقف القطار في طنطا، والـ 35 جنيه كما هي، لم نصرف منها شىء.

رحلة الموت تبدأ من طنطا، حسبما يقول “سمير”: طلب مني “محمد” شراء “كوباية شاي” من المحطة، فذهبت لشرائها بـ 3 جنيهات، وشاهدته يستقل قطارا متوقفا بالمحطة سيتحرك للقاهرة، ركبت معه، وسألني عن سر عدم شراء “كوباية شاي” آخرى، فأكدت له أنه لم يتبقى معنا سوى 32 جنيها، ونريد المحافظة عليها حتى نستقل بها مواصلات من محطة رمسيس لمنازلنا، فابتسم وتقاسم معي “كوباية الشاي”، ولم أدرى أنه الشىء الأخير الذي نتقاسمه، وبعدها حضر “كمسري” وطلب منا التذاكر، تحدث معه “محمد” محاولاً إقناعه بظروفنا، لكن الرجل كان عنيفاً، خيرنا ما بين الأموال أو إعطائه بطاقات الرقم القومي لتحرير محضر أو النزول من القطار، فقلنا له ليس لدينا أموال كافية لسداد التذاكر، ونخاف من تحرير محضر، خاصة أننا شباب مكافح ولا نريد الدخول في محاضر، فتوجه نحو الباب وفتحه، وبصوته الجهور، صاح:”طيب اتفضلوا انزلوا”، فتعجبت منه، وقلت له:”ننزل إزاي سيادتك!! دا كدا نموت”، فرد علي :”لا مش هتموت..ادي وشك للشارع ونط”، فطلبت منه أن يتركنا حتى محطة رمسيس، حيث نتصل بأقاربنا للحضور وسداد ثمن التذكرتين، أو حبسنا، فرفض

.وعن كواليس جريمة الـ 180 ثانية، يقول “سمير”: الغريب في الأمر، أن هذا المشهد لم يحرك ساكناً للركاب، ولم يبادر أحد بالتدخل أو مساعدتنا مادياً، فصاح “محمد”: “ايه يا جدعان مافيش رجولة خالص؟”، فكادت الدموع أن تتساقط من عيني، ووقتها أخذت القرار، عندما انخفضت سرعة القطار بعض الشىء، قفزت منه وسقطت على رصيف لإحدى المحطات وبيدي “كيس بلاستيك” به الميداليات، ولم أعرف شىء عن “محمد”، ولم يكن لدي “موبيل”، حيث كان معنا هاتف محمول واحد، به خطين، أحدهما يخصني والآخر يخص “محمد”،  كنا نتقاسم كل شىء”، ترجلت على قدمي لأقرب إنارة، حيث كان الوقت متأخراً من الليل، حتى وصلت لموظف التحويلات، قلت له بصوت ملهوف :”الكمسري رماني أنا وصاحبي من القطار”، فلم يبالي بحديثي، وطلبت منه هاتفه المحمول للاتصال على هاتف صديقي “محمد” فرفض، فتوجهت لمحطة وقود، وحصلت من مواطن على هاتف محمول، واتصلت على تليفون “محمد” عدة مرات دون رد، وبعد عدة محاولات رد علي شخص، قائلاً:”صاحبك مات تعالى بسرعة”، بكيت وتحركت جرياً على شريط السكة الحديد كالمجنون، أريد الاطمئنان على صديق عمري، كان لدي أمل، أن يكون مازال حياً، حتى شاهدت سيارة إسعاف وسيارات شرطة، واستوقفني ضابط وأعطاني ساعة، قائلاً:”دي بتاعة صاحبك”، وشاهدت على تليفون أحد الأشخاص جثة “محمد” مفصول الرأس، وكأنني في كأبوس

يضع “سمير” يديه على رأسه كثيراً، ويحبس أنفاسه ويخرج الهواء بقوة، ويقول:” ذهبت مع رجال الشرطة، واستمعوا لأقوالي، وأعطوني أموالاً وأحضر لي وكلاء النيابة أكل، حاولوا احتوائي، لكن الحزن كان يمزق جسدي، فلم أصدق أنني لن أرى “محمد” مرة أخرى.

كلمات “محمد” مازالت في أذني، “إحنا كارت واحد”، فقررت أن ألحق به، وتحركت للطريق وحاولت إلقاء نفسي أمام سيارة، لكن الأهالي أنقذوني، وبعرضي على الأطباء بعد الحادث تبين معاناتي من بعض الكدمات نتيجة القفز من القطار، ولا صحة لما ردده البعض من بتر قدمي، لكنني لا أحتاج لعالج جسدي بقدر حاجتي لعلاج نفسي، فأنا محطم نفسياً، واستيقظ كل يوم على كوابيس وصراخ:” جاي لك يا محمد”.

.وحول محاولة البعض تسييس الواقعة، قال “سمير”، الأزمة كان سببها “موظف” وسيلقى جزائه بالقانون، ونثق في بلدنا ومؤسساتها، أما القنوات الإخوانية التي تريد القفز على قضينا وتعميم الأمر والإسقاط على بعض المسئولين، أقول لهم:” سيبوا بلدنا في حالها..بلاش تتلاعبوا بمشاعر الناس..دي بلدنا بحلوها ومرها إحنا بنحبها..بلاش تصطادوا في الميه العكرة”، ومن أخطأ سيلقى حسابه بالقانون وليس بقناة الجزيرة.

ads

اضف تعليق