أفيون الشعوب “عناء كرة القدم مع السياسة”
الإثنين 27-07-2020 20:18
كتب مصطفى حسن
رأى الاشتراكي كارل ماركس داعم الثورة الشيوعية أن الدين هو أفيون الشعوب، ويقصد أن الطبقات الأكثر حظاً وثروة واستغلالاً فى كل مجتمع، تستمر فى استغلالها للعامة وامتصاص دماء الكادحين، بالترويج للدين والتحالف مع رجاله لتخدير أولئك البسطاء ، بأن لهم الجنة فى الحياة الآخرة، فلا يحتجون ولا يثورون على ما يقع عليهم من مظالم فى هذه الحياة، وبهذا المعنى فإن الدين فى رأى كارل ماركس وأتباعه هو بمثابة الأفيون، الذى يستخدم لتخدير الشعوب ويصرفها عن الوعى بمصالحها الحقيقية، ويبعدها عن الانخراط فى حركات ثورية لمقاومة استغلال حكامهم المُتسلطين، واستغلال أصحاب الثروات والمصانع للطبقات الكادحة (البروليتاريا).
و لكن هل شغف كل العالم بكرة القدم بما فى ذلك الفقراء هو المعادل الوظيفى للدين، الذى اعتبره كارل ماركس أفيونا للشعوب؟
فقد حلت “كرة القدم” بدلا من “الدين” فليسامحني الله علي هذه العبارة.
فبحكم تصوير الإعلام والدول بأن مباريات كرة القدم وكأنها صراع بين الأمم والشعوب أو بين فرقا مختلفة من البلد ، تجد الإنسان كما في الصراعات والحروب يبحث عن الحمية، ينحاز إلى مجموعة تشاركه الانتماء للوطن أو الفريق ليحمسوا بعضهم بعضًا، فيشجعون بطريقتهم الخاصة، فالجمهور في هذه الحالة دون وعي يقدم خدمات كالتي كان يقدمها الأطفال والنساء والشعراء والفرق الموسيقية الحربية، حين كانوا يصاحبون جيوشهم في القِدم ليحمسوها على القتال، وهذا يفسر سبب تنشيط كرة القدم للعصبية القومية والوطنية، بل استعمال الجماهير شعارات وعبارات وشتائم عنصرية.
أفيون الشعوب.. الذي سينسي الأمهات حرقتهم على فلذات أكبادهم الذين تم القاءهم من الطائرات ف مياه البحر بعد أن تم تصفيتهم جسديا، إثر نقلاب عسكري على رئيسة الجمهورية الأرجنتينية إزابيل بيرون الذي قام به خورخيه رفائيل فيديل عام 1976 بمساعدة الكنيسة الكاثوليكية في الارجنتين ، الشعب الميت من الجوع أصلا، والذي انسحقت فيه الطبقة المتوسطة بسبب توغل الرأسمالية، وأصبح ينقسم إلى أغنياء مترفين وفقراء معدمين، هذا الشعب الذي كانت النساء فيه يخرجن في مظاهرات يطالبن بأبنائهن الذين سرقهم العسكر، هذا الشعب نسي الدم والجوع وصار مشدودا أمام التلفاز وفي الملاعب يصرخ ويهتف على إحدى عشر لاعبا يجرون وراء كرة جلدية!
وراء الملعب الذي لعبت فيه المباراة النهائية،وفازت فيه الأرجنتين بكأس العالم (والذي يقال أنه كان مباعا أصلا للأرجنتين برشاوى وعمولات كانت تقدم للفرق المنافسة)؛كان على بعد هذا الملعب ببضع كيلومترات كان هناك أكبر مركز تعذيب في البلاد والذي كان يضم أزيد من 4000 سجين، بينما كانت الناس تصرخ فرحة بالفوز، والإعلام يهلل بقدرة الأرجنتين على تنظيم ـ بل والفوز ـ بكأس العالم رغم كل الضغوطات الخارجية ـ المزعومة طبعا ـ كان الشباب يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب في سجون فيديلا.
البرازيل.. بلد كرة القدم بامتياز، والذي تعتبر فيه كرة القدم “دين” الشعب البرازيلي حسب وصف الصحفي البريطاني اندى ويست كان الشعب يزأر تحت حكم أنظمة عسكرية دكتاتورية، شعب يعاني من الفقر والجوع والبطالة، ورغم ذلك كان عدد ملاعب كرة القدم في البرازيل أعلى بكثير من عدد المدارس والمستشفيات، من منا لا يعرف بيليه ومنتخبه الذي كسب أكبر الألقاب العالمية، كانت السلطة تعرف جيدا كيف تستغل كرة القدم سياسيا لإلهاء الشعوب المنكوبة.
لا يخفى أبدا استغلال العديد من السياسيين لكرة القدم من خلال شراء بعض الأندية مثلا أو إنشاء علاقات شخصية مع مشاهير الكرة، وذلك لتعزيز شعبيتهم في قلوب الجماهير، ولإلهاء الشعوب عن قضاياه الأساسية.
موسوليني استخدم جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة حتى تنظم إيطاليا كأس العالم سنة 1934، ووصل به الحد إلى تهديد اللاعبين بالقتل إن لم يفوزوا بكأس العالم.
نفس الشيء قام به الدكتاتور الإسباني فرانكو، إذ كان معروفا عنه استغلال الكرة لترويج أفكاره الفاشية وتشويه خصومه، وقبل كل مباراة كانت ترفع الشعارات والهتافات لفرانكو:”عاش فرانكو…وعاشت إسبانيا”، كان فرانكو مشجعا متعصبا لريال مدريد، نكاية في عدوه التقليدي برشلونة، حتى أنه بعد خسارة ريال مدريد بثلاثة أهداف أمام برشلونة، استعمل سلطته ونفوذه في مباراة العودة لتكون النتيجة 11 هدفا مقابل هدف واحد لصالح ريال مدريد .
في كرة القدم لا يمكننا تصور أنفسنا خارج أجواء الحرب. هنا تحضر لغة الحرب وسيكولوجيتها، فالمقابلة تقوم بين فريقين وجمهور يحرض على المواجهة ونشيد وطني يلهب الحماسة الوطنية. هو عدو يجب هزمه وتسديد ضربات قوية باتجاه مرماه والانتصار عليه. هناك فريق يطير فرحا عند نهاية المبارة وآخر يبكي حظه البائس. ومع ذلك لم تعد لعبة كرة القدم محلا لكبرى الاستعارات الحربية فحسب ، بل إن عالم الحرب نفسه بدأ يستلهم لغته من داخل هذه اللعبة. أحيانا لا نجد أروع من القول في لحظات العدو الأكثر حرجا: الكرة اليوم في مرمى العدو.
وما زالت هناك الكثير من الاحداث السياسية التي تم استغلال كرة القدم لأجلها، ولم يكف السياسين عن استغلالها فقط بل استغلها رجال الاقتصاد بواسطة السياسين ورجال الدين سنسردها فى حلقات أخرى، ليست بعيدة عن الشعوب الكادحة التي عانت الأمرين ما بين رجال السياسة والدين والاقتصاد ورجال الحروب ايضا، ومع كل هذه الاحداث كتب التاريخ احداثا تنهمر لها العيون دموعا تخطت بطش الحكام وديكتاتوريتهم.